أماه .. ؟؟

موضوع: أماه .. ؟؟ الأربعاء نوفمبر 21, 2012 1:30 pm

أماه .. ؟؟

كانت نسرين تعيش على هواها بغير حدود. فهي البنت الوحيدة لأبويها، ولها ثلاثة إخوة كلّهم أكبر منها. لا يردّ لها طلب، ولا يمسّ لها شعور. وفي الوقت نفسه كانت على أدب جمّ مع والديها، وذوق عالٍ مرهف، وحرصٍ على البرّ في كلّ موقف.

وعندما تقدّم حسام لخطوبتها، وعلم هذه العلاقة بينها وبين والديها، زاد حرصاً على الاقتران بها، فحياته معها لن تكون فيها أيّة منغّصات من قبل أهلها. وهو ما كان يحسب له ألف حساب!

وتمّ الزواج.. ولكنّ علاقتها بوالدتها انقلبت رأساً على عقب. وكأنّها ليست تلك الأمّ لهذه البنت. تدخّل في كلّ شأن.. تهديد بالغضب في كلّ مناسبة.. كلمات قاسية.. تهم جائرة، لها ولزوجها.. حتّى أصبح عشّ الزوجيّة على شفا جرفٍ هار..

وضاق حسام ذرعاً بسلوك حماته، وما فرضته عليهما من حياة مستبدّة. ولوّح لزوجته أنّه لا يستطيع الصبر على هذه الحال.. فتفتّق ذكاء نسرين عن هذه الرسالة:

"أماه! يا منحة الإله القدسيّة لهذا الوجود. لولاك لم تعرف حياتي معنى للخير والجمال! والحبّ والطهر. يا نفحة العبير التي تضوّع منها شذا البنفسج والياسمين، والزهور والرياحين.! يا بسمة الفجر الباسم، المانحة للكون أشعّة الشمس الذهبيّة الوضّاءة، تحمل معها الدفء والحياة!
أهنّئ بك نفسي أن كنت لي أمّاً أعتزّ بها، تُشرق بها روحي صباح مساء.. وأستمدّ من طيف معانيها السعادة والهناء!
وأهنّئ بك الحياة أن تمشي في رحاب مناكبها أقدامٌ تتوطّأ لها جنبات الجنان!
وأهنّئ الأنوثة الكريمة أن كنت لها تاج الفخار، ومنبع الحبّ، ورمز العطاء!
وأعتذر إليك بكلّ روحي وقلبي، ومشاعري وجوارحي. أنّني أعرف حقّك وقدرك، ولا أستطيع أن أفِيَك قَدْرَ ذرّةٍ ممّا يجب عليّ!
فهل يتعطّف قلبك الكبير بالعفو والرضا؟ وهو الذي تتفجّر منه ينابيع الحبّ والرحمة، على بضعة منك حملتها في أحشائك، وبذلت لها من عافيتك، وغذوتها بعطفك وحنانك! يسعدني أن أقف بين يديك اليوم لتري غرسك الصغير قد غدا فتيّاً باسقاً. وجهدك الدءوب قد غدا ظلاًّ ظليلاً، وعطاءاً ممدوداً. ولألتمس عفوك، وأنا أعترف لك بفضلك عليّ، وتقصيري في حقّك. فالحمد لله الذي أنعم عليّ بكِ، وأسأله سبحانه أن يمتّعني بحياتكِ وصحّتكِ، وأن يلهمني البرّ بكِ ما حييت، وإنّ غاية ما أرجوه منك بعد عفوك ورضاك، ألاّ تحرميني من دعواتك الصالحة، فهي ذخري وزادي في هذه الحياة!

أمّاه! ماذا جنيتُ واقترفتُ؟! أمّاه! أترضينَ لي بعد هذه المشاعر نحوك. وبعد حياة الحرّيّة التي كنت أتمتّع بها منذ كنت طفلة صغيرة مدلّلة. أن تضعي ابنتك في زنزانة العذاب؟! وتحكمي عليها بالسجن مدى الحيَاة بلا حساب!
أمّاه.! دعي الفَارس يقُد فرسه!
دعي الفَارس وفرسه!
دعي الفَارس..
وما اخترتِ له من فرس!
دعي الحرّ فيما يرى!
دعي القمر يسير في فلكه!
فلن تستطيعي أن تغيّري الفلك!
ولن تستطيعي أن تغيّري صورة القمر!
إنّه من صنع الله!
لكلّ قدره..
ولكلّ فلسفته..
في هذه الحيَاة!
أمّاه! دعيني أرسم.. وألوّن!
أرسم حياتي مع فارس الأحلام..
أمّاه! دعيني.. دعيني.. ولا تجزعي..
فلست كما أنت.. لستِ أنا..
تنوّعنا.. عقلنا.. فكرنا..
نصوغ قراراً.. ونلغي القرار..
ونسعد فيما يظنّ الشقاء..
ونجرع مُرّاً.. ونجني العناء..
ونبني الحياة على رأينا..
أمّاه.! ما كنت كالصغار..
ولم أعد صغيره.! لم أعد غريره.!
أليس لي قرار.! أليس لي اختيار.!
منذ سنين.! منذ الطفولة..
لم أكن تضربني الكبيرة.. تنهرني الكبيره.!
وأجرع الأسى في غيبة الكبار.!
واليوم ها أنا! أصبحت كالكبار..
أتّخذ القرار.. وأنقض القرار..

ومع كلّ ما رأيت وتجرّعت، فتقبّلي منّي صادق مشاعري وتقديري! وسلام الله عليك ورحمته وبركاته".

ألقت نسرين بالرسالة على مكتب والدتها، وهي تهمّ بالخروج من بيت أهلها. وفعلت تلك الرسالة فعلها في نفس الوالدة. جعلتها تحاسب نفسها، وتراجع سلوكها، وتطلب المصارحة الصادقة من زوجها. فأيّد والد نسرين ابنته في كلّ ما كتبت.
وعندما جاءت نِسرين في اليوم التالي اعتنقتها أمّها، وضمّتها إلى صدرها بحرارةٍ، وقالت لها: اعذريني يا بنيّتي عمّا مضى. ولك عليّ ألاّ أتدخّل في شيء من شؤونكم. وعذري أنّ شدّة المحبّة ربّما تحوّلت إلى هوىً، أضرّ صاحبه، ولم ينفعه...!!

موضوع: رد: أماه .. ؟؟ الخميس فبراير 14, 2013 3:10 pm

تسسلمينَ > أنرتتيَ ..$>